سناء البيسي
ما يريحنى ويثلج صدرى وينزل على نارى بردًا وسلامًا، ويقوّى إيمانى وعزيمتى ووطنيتى ومصريتى وعروبتى وإنسانيتى وعقيدتى وبوصلتى أن رئيسى غضبان أكثر منى، وتحت جناح غضبته الصارمة قد قال ما أود قوله وزيادة كى أزدرد راضية مرضية ما يسكن على طرف لسانى، وفى خطابه الحاسم الحازم أراه يفصح عمّا لا شىء عندى أضيفه إليه، وفى خطه الأحمر أستشعره يرسمه بمداد غليان دمائى، ان لاتهجير للفلسطينيين إلى سيناء فدونه الموت، وفى شموخه قد سكن علياء مكانتى كمصرية لا تكسرها المحن ولا يعوزها الصبر ولا تُركعها الأزمات ولا تُغريها الوعود ولا يزلقها معسول الكلام ولا يُرهبها التهديد ولا تثنيها الإشاعات ولا تُحبطها الأقاويل ولا تهزها تحولات فى الأقربين ولا تباغتها مكائد المتربصين، وعلى مدى تعقله أجده كصانع للقرار لايستدرج قوته مديح، أو يعجله انفعال، أو تدفعه حمية، وفى رحاب إنسانيته ألقاه يسبقنا تأثرًا بترهيب البشر وتحطيم القيم، وبما يلقاه طفل فلسطين من هول، وما تتعرض له أمه العزلاء من انتقام وحشى، وما يمزّق العجوز أشلاء، وما يلقى المريض من فناء، وما يستقبله جنين يخرج من رحم الضحية مجندلا بخلاصه ورصاصه ليصرخ بائسًا فى البرية فلا ينصت لأنينه المستسلّم للخمود عالم غربى غليظ القلب يهرع لإجراء عملية مصران لكلب، ويرتدى كآخر صيحات شذوذه مسوح الكلب ليمشى مختالا على أربع خلف مقوده فى يد شاذة مثله، ويسد أذنه متعمدًا مع سبق إصرار وترصد مُناصرًا صوت المدافع والقذائف والأزيز، مزودًا شيطانها الملعون بالسلاح والمديح والأحضان والمؤازرة وحاملات الطائرات وصواريخ تفجّر قارات وليس بضعة سكان عُزل يعيشون تحت وطأة حصار الموت والجوع والظمأ والظلام، وجراح بفوهات مفتوحة عنوة من وطأة القنابل الفسفورية والعنقودية فى مدينة تتعرض لخطط جهنمية مستنسخة من معارك الحرب العالمية الثانية التى تقتسم الأرض مسطحات ومربعات تأتى على كل منها لتساويه بالأرض كالعهن المنفوش لتُكمّل جحيمها أحدث الأسلحة الأمريكية: اللدغة الحديدية وطائرات الفالكيرى بدون طيار والشعاع الحديدى المطوّر للقبة الحديدية ليتكامل اعتراضها لمسار الصواريخ المضادة!!
عيونى تتجه الآن وفقط إلى الأحمر للفظة «عاجل» أسفل قنوات التليفزيون وعلى شاشة الموبايل، لكن العاجل هذا لم يعد عاجلا أو واقعيا أو فى السريع، ولم يعد يجارى رغم عجلته طاحونة الأحداث الدامية المتتالية، حتى ولو كان أحدث خبر قد جرى منذ أربع دقائق فقط، فى هذا الزمان العصيب أصبح الفارق بين عاجل وعاجل دهرًا كاملا يقوم فيه عالم وينهد عالم وتتهاوى أبنية على رؤوس سكانها، ويهرع سكان إلى ما لا ملاذ، وتبقر بطون مستشفيات، وينهار نظام صحى بكامله ويكمّل نزلاء الرعاية مواتهم والمسعفين يلقون حتفهم، ويكتبون على أذرع وسيقان الأطفال أسماءهم كمشروعات شهداء، وتتكدس جثامين تحت وابل قصف وحشى بلغ ٤٠٠ غارة فى ليلة الثلاثاء الماضى وحدها ليغدو العدد صباح الأربعاء ٥٧٩١ شهيدا بينهم ٢٣٦٠ طفلا و٢٩٢ سيدة و٣٠٠ مسن.. المجزرة المتمادية على الشريط الأحمر «عاجل» تخلف على مدار الثوانى أهوالا يخجل منها العصر الحجرى وأكلة لحوم البشر، وتحول العمران دمارًا، والبيوت قفرًا، والأطفال أشلاء، لكن ما تفعله إسرائيل الآن فعلت مثله من قبل وقبل فى دير ياسين وقانا وصبرا وشاتيلا، وازدرت بالقيامة والأقصى والحرم الإبراهيمى واستباحت جنين ونابلس ورام اللـه، وأنزلت أطنانا من القنابل على رؤوس الفلسطينيين، ولكنها كانت تستفيق فى كل مرة على أطفال أنضجوا الحصى فى قِدر العزيمة، وسخروا الأبابيل التى انقضت على الكواسر فى أكثر من مشهد للمقاومة ــ ليس ينسى ــ أسماها تاريخ النضال «أطفال الحجارة».