كانت المرأة التي يناهز عمرها قرابة ثلاثة ملوك مروا على الحكم وتلاشوا،مُمددة على سريرها الخشبي البالي فوق شرشف تَبدل لونه الأبيض الناصع إلى لون شاحب يميل للصفرة،ووسادة أكل الزمن مقتنياتها،حتى نَحلت وتسطحت وما عاد لها من وجود غير لونها البني الشاحب،حتى أنها ما عادت تحتفظ بمعالم تبعث الحيرة في النفس، أتبقى في الخدمة، أم تُترك للعتيق ؟. كانت أطراف المرأة العجوز ترتعش بوضوح من يوشك على التجمد في أصقاع برودة عارمة، فالمرض قد نشب بكل أنحاء جسدها،حتى غدا قصبة فارغة تطوى في كل جزء منها إن مستها أصابع متحسسة,أو وجع،لكن مع كل ذلك، لم يصعد المرض، بل لم يحاول الصعود ومس عقلها، ووعيها الذي بقي سليما حتى في أعتى درجات الوجع الجسدي،لذلك كانت عيناها لا تبرحان أي حركة تحدث داخل منزلها، الذي بنته حجرا، حجرا، يوم كانت في ريعان نشاطها، أشرفت على ولادته، واعتنت به لأبعد نظافة وأهتمام، فكيف يستسهل عليها التخلي عنهُ,صحيح أنها كانت راقدة على ظهرها، لكنها كانت تخرج بين النظرة والأخرى ماشية على أطراف عينها، صوب الخزانة المحتوية على أفخم الأشياء المنزلية ,ومنها الوسائد والشراشف، وهي تنتصب صدر غرفتها كقاطرة تجارية محملة بالبضائع،لكن لا يد يُمكنها الاقتراب منها،حتىّ مدبرة المنزل الأربعينية لا تجرؤ على لمسها والدنو منها,على الرغم من أنها لم تيأس يوما من محاولة نصحها,وأقناعها بأن تستعمل تلك الأغطية والشراشف, وكل شيء كانت قد اختزنتهُ, لكن العجوز كان ردها ثابت لا يتأثر،بأنها ليست بحاجتهن، حتى حين نصحتها باستبدال أغطية سريرها ومنامها المتهرئ, تردُ بذاتِ الصرامة.
– ما موجود لدي أفضل بكثير.
– ياستي .. لنُغير الشرشف فقط؟
– ألا تفهمي،هذا شرشف جديد،جديد كثيرا.لذلك تسكت المدبرة التي ساكنتها ومنزلها,منذ عشرين عاماً,مكتفية دوما,بنظرات التأمل والتحديق صوب تلك الأشياء الفخمة والمبهرة.وهي تتحسر وتتأكل بداخلها على كل ذلك..كل ذلك الذي لا تستطيع يد أن تناله.لم تبارح أنظار المدبرة وجه العجوز،حتى عادت لتجد عينيها مُلتصقتين بسقف الصالة،وجسدها المهيكل مُتخشب، لقد عرفت ومنذ أول نظرة، أن الوضع الذي عليه العجوز،وضع م… لا ..لا,راح قلق مشوب بالخوف يدب أوصالها لذلك اقتربت منها وراحت متأكدة بكلتا يديها،وهي تتحسس من بين الملابس نبضات قلبها ووريد يدها،لكن لا جواب.. لا جواب سوى ذلك الصمت الجنائزي الذي راح يُخيم على كل المكان حولها،حقا لقد رحلت.رحلت وستتركها للتشرد.تجمع الجيران، تجمع الأخوة وأولاد الأخت،تجمعوا جميعا في المنزل الكبير،اقتربت إحدى الحاضرات صوب الخزانة وراحت تنزل منها ما تشاء.
– لكن ستي لا تقبل.
قالت المدبرة,بعد صمت قصيروفي عينيها يطوف حزن كبير،بينما تابعت المرأة التي يبدو أنها من بنات أخوة العجوزعَملها، مُفرغة الخزانة مُتحججة أن الناس ستأتي لتُعزيهم ولابد من الفخر والتباهي بذلك..لا بُد.
مها الفارس