الرئيسيةأخبارالخوف من المجهول‎ !‎ الكاتب : احمد سعدون البزوني … موقع صاحبة الجلالة
أخبارثقافة و فنونمقال

الخوف من المجهول‎ !‎ الكاتب : احمد سعدون البزوني … موقع صاحبة الجلالة

عند قراءتي لرواية (ظلال ماري) للكتاب زكي الديراوي وجدتُ هناك عامل مُشترك وترابط رِوائي قصصي على ‏مدار السرد، هو (الخوف من المجهول) .‏
كان المجهول شريك الكاتب في هذه الرواية منذ بدايتها حتى النهاية، قراءتها أربع قراءات، (شخصياً، سيكولوجيا، ‏بيئياً، ميدانياً)، فوجد من خلال هذه القراءات هذا العامل المُشترك، حيث سرد لنا الكاتب تفاصيل حياة بطل الراوية ‏‏(فوزي) وجميع الاحداث التي طرأت عليه أثناء مسيرة حياتهِ المجهولة، فمنذُ ولادتهِ والخوف من المجهول كان رفيقاً ‏لهُ، كان أقرب من ظِلهِ اليه، وقد أشرتُ الى بعض المقاطع القصصية من بين صفحات الرواية التي عاشها فوزي بين ‏الخوف والمجهول‎ ..‎
طبيعة المجتمع الذي يُحيط بهِ أجبرهُ على تحمل الخوف والمجهول على كتفين أتعبهما القدر، الخوف من الغد، ‏واللهاث الدائم المستمر لتأمين أنفسنا مما قد يحمله المجهول بالنسبة إلينا، وعدم الرغبة في التغيير، حتى وإن كان ‏الوضع الحالي صعباً قاسياً يستنزف قوانا الجسدية والنفسية، هي سمة أساسية للبعض منا، لكنهم لا يعرفون أنها أكبر ‏من كونها مجرد سمات شخصية، بل حالة من القلق المُرتقب ويصعب علينا نحنُ كـ كُّتاب أو قُراء أن نفصل أو ‏نستقطع ولو كلمة من هذا السرد، بسبب تلازم المحور الذي يدور بهِ الكاتب في روايته‎ ..‎
‎*****‎
دخولهُ في عالم الخوف والمجهول بدأ منذُ ستينيات القرن الماضي، _أي_ منذُ بزوغ فجرهُ ولادتهُ بهذا العالم، حيث ‏يقول‎ :‎
‎(‎كانت غرابة مولده الذي حدث في زمن مضى من حياة وسجلات مدينة البصرة، (لواء البصرة) كما يُسمى في العهد ‏الملكي العراقي‎ .‎
عاشه كما سمعه وعرفه بكل أحداثه وأسراره وغرابته هنا … حالة ولادته شبيهة بزراعة نواة نخلة وحيدة في الغربة ‏بين أشجار متنوعة بعيدة في أرض صخرية على جبل دون ماء غير صالحة لزراعة النخيل، ميلاد مجهول التاريخ ‏بالسنة والشهر واليوم والساعة) ص 5‏
فاتحة حياتهُ مجهول منذُ نزولهُ لهذا العالم، فقد انقطعت صِلتهُ مع والدتهُ منذُ أن قُطع حبلهُ السري، فأصبح مجهول ‏الهوية والمولد، لا يعلم لمن ينتمي في هذا الفضاء الواسع إلا لسيدات مجهولات بالنسبة لهُ حين الولادة كـ أُمهِ ماري و ‏أُمهِ أم ملكة، فَهُنَ أُمهات القدر المحتوم الذي وِلد معهُ، فكانتا نعمة الأُمين‎ …‎
‎*****‎
‏(متى ولدت وهل المولود أنثى أم ذكر، وهل عاش المولود أم ولد مشوهاً أو معاقاً ؟ أو ربما ولد ميتاً، ومن هي المرأة ‏التي أرضعته هل هي والدته أو غيرها ؟ وهل والدته سالمة أم مريضة أو ميتة ؟ جميع هذه التفاصيل لا يعلم عنها ‏عبد الوهاب والد المولود أي شيء) .. ص 6‏
حتى زمان و مكان ولادتهِ كان مجهولاً بالنسبة لهُ، ماذا يفعل القدر بهذا الفوزي اليتيم، إيتمهُ القدر بالرغم من وجود ‏ولدهُ _عبد الوهاب_، كذلك أُمهُ بهية التي أعياها المريض ساعة المخاض وحُرمت منهُ بسبب مرضها المُعدي، وقد ‏نُقلت الى مكان آخر بعيد عنهُ وهو في الساعات الاولى من ولادتهُ، فأصبح فوزي ضحية القدر ما بين مرض أُمهُ ‏المُفاجئ و غياب والدهُ المُستمر، أيُّ يُتم، أيُّ قدر، أيُّ مجهول، والخوف حليف هذه الصفاة الثلاثة‎ …‎
‎*****‎
‏(وضع حاجم سلطان الطفل ابن أخته الذي كان عمره أقل من الشهر بعدة أيام بالمقعد الخلفي للسيارة وانطلقت ‏السيارة مسرعة تحمل معها طفلاً لا يعرف ولا يدرك ولا يرى مصيره أو لأي درب يتجه به القدر، يهتز كله من ‏مطبات الشارع تارة يصرخ ويبكي وأخرى يخفت صوته) … ص 24‏
أتصور إن هذا المشهد قد نُصدقهُ حينما نراه بأفلام السينما أو ببعض برامج المقالب المُنظمة مُسبقاً، أما في الواقع ‏يصعب علينا كبشر أن نصف هكذا موقف لِطفل عُمرهُ بعض أسابيع … حينما قرأت هذه القطعة من الرواية إنتابني ‏الإستغراب كثيراً، كما راودني الخوف أثناء القراءة أسرعت كثيراً بتقلُب الصفحات لعلي أصل لحد نجوى هذا الطفل ‏الذي اصبح حتى مجهول الحياة والمصير وهو يتعثر مع المطابات _الطسات_ التي تمشي عليه عجلة القدر ‏المكتوب، ثم استشعرت بعدم لا مُبالات خالهِ _ حاجم سلطان_ ذلك الذي لا يملك شيءً من الرحمة وهو يجوب به من ‏عالم المطبات الى عالم الواجبات البوليسية _الشرطة_، ما هذا القدر يا فوزي ؟؟؟
‎*****‎
‏(قالت بهية : لا أظنّ أنّ في صدري حليباً رغم أني اشعر كأن قلبي ينبض حنيناً مخزوناً داخله … هذا ما قالته بهية ‏سلطان وقلبها يتفطّر حسرة والدمع ينهمر من عينيها) … ص 48‏
غريزة الأُمومة كفيلة بشعور إحتياج رضيعها للبن، فهذه فطرة سماوية وضعها الله لكل أُم، فما قالته بهية هو بيان ‏وجودي حينما درَ حنينها المخزون لذلك الرضيع المجهول، فلا أنا و لا حتى الكاتب _زكي الديراوي_ قادرين على ‏وصف تلك اللحظة التي مرت بها السيدة بهية‎ ..‎
‎*****‎
الصدمة الطفولية الأولى
‏(طبعت هذه الصورة المرعبة في ذهنه كما ظلت مطبوعة بعقل جبار يحملها معه يتذكرها بخوف كلما سمع بالختان، ‏تلك القصة علقت بعقله كما علقت بعقل فوزى الطفولي، لذلك عندما أخبر فوزي صديقه جبار أن يوم غد سيتم ختانه ‏مع أخيه وبعض الأطفال من الأقارب والجيران .. قال له جبار : لا تقبل باقتطاع لحمة منك، لماذا يقطعونها، لمن ‏يعطونها للقطط المتوحشة ..؟) … ص 71‏
لم يكن القدر والخوف والمجهول وحدهم من يراودوا مسيرة فوزي المُعتمة، فهناك من زاد الطين بله، هم : تخارف ‏جبار الطفولية، والقصة التي رواها لـ فوزي وزرع فكرتها في رأسه، وتلك القطط التي تُراوده فوزي على بقايا شيء ‏من لحمتهِ المقطوعة، ياااا لِحظك يا فوزي‎ ….‎
‎*****‎
في ص 85، دخل لـ فوزي بطل غريب أو ثالث غريب أو جسد غريب على الرواية أو على عالمهِ المجهول، عالم ‏فيه المُتعة والتلذذ، كما فيه الدهشة و الإستغراب، وكيف لا‎ !!!‎
عالم الجسد الأُنثوي، المُمتلئ بالشجن والحُزن والرغبة والإحتياج، جسد رِوائي جديد يقـتحم ذلك الفتى، طفولي ‏الملمس لا يخلو من مُميزات الرجولة الواضحة، لكن تربيتهُ وتعاليم دينهُ التي تربا عليها من والدتهُ، تلك السيدة ‏الصوفية المُقيمة في حضرة السماء أكثر من بِقاع الأرض، منعتهُ من شهوانية مؤقته، أو لعقة زائفة المذاق‎ ..‎
‏(مشاعر إنسانية افتقدتها من سنوات قربت فمها من فمه، لم يعرف ماذا يفعل ربما هي قبلات مثل ما كانت تقبله والدته ‏لكن والدته لم تقبله بفمه امتصت منه أشياء لم يعرفها ممزوجة بالحسرات والتنهدات طعمها مشتعل الشوق والنقص ‏والعطش رغم شدة البرد … لحظات نزعت عنه كلّ البرد والخجل، أصابه بعض الخوف إنها سوف تلتهمه كما ‏التهمت قطة جبار لحمته العزيزة، يجهل ما تفعله بصراع لم يجربه ولم يدخله من قبل تريد إدخاله لنفق مجهول تتفوّه ‏باهات وكلمات لا يفهمها، غير مترابطة تضيع منها حروف كثيرة بسبب انشغال الفم بالالتهام وتقطع الأنفاس، ‏شعرت به يحاول التملص من أخطبوط أصابعها المجنونة) .. ص 85‏
حقيقة حاولت إستقطاع بعض الشيء من هذه القطعة لكني أحسستُ أيِّ إستقطاع منها سوف يُشوهُ المعنى عند القارئ، ‏لأن هناك ترابط بين (تلتهمه كما التهمت قطة جبار لحمته العزيزة)، فهذه هي نقطة الإلتقاء بين اللحمتين اللواتي ‏خاف يفتقدهما، (لحمة ذكرهِ، ولحمة الشفاه)، فكان الخوف من الفقدان كفيل بأن يجعلهُ يتحذر دائماً، أو كانت عُقدة ‏الخوف من المجهول أو سوف ما يحدث تُراودهُ طلية طُفولتهُ المجهولة‎ ..‎
‎*****‎
كريمة ‏‎ :‎‏ ‏
‎- ‎‏ (فوزي أشتهيك ولا أعرفُ ماذا أفعل، وأنت تهمل مشاعري وحاجتي ولا تعمل مثل عبد الحليم، هل أنا لست جميلة ‏؟، حرام عليك أريد منك قُبلة أشعر بها …. نظرت إليه، يقف كالصنم، دمعت عيونها وخرجت مُسرعة دون وداع ولم ‏تقل إلى اللقاء بل ردَّدت أنت دون إحساس … فوزي يعيش الحيرة بين وصايا والدته وبين رغبات مكتومة بين ‏الرغبة والتردّد من خوف زرعته قطة كبيرة لا يعرف لليوم ماذا اقتطعت منه .. ص 118‏
كل شيء في جسده كامل النضوج تقريباً لكنه يجهل أحاسيسه الداخلية، لا يعرف كيف يوظفها أو كيف يستخدمها، ولا ‏يعرف شيئا عن تفاعلات وانقلابات وطلبات الجسد اللاحقة بعد القبلات لأول مرة يشعر بها داخل أعماقه إنها حرارة ‏وغليان في دمه وتحت أضلعه ومنطقة حساسة يجهلها ويجهل كيف يتم إخمادها) .. ص 119‏
في هاتين الصفحتين 118، 119، يقف فوزي على خط التسلل، حائر بين أمرين، (الحيرة بين وصايا والدته وبين ‏رغبات مكتومة)، لكن عالمهُ المجهول كان حاضراً في وقتها (ولا يعرف شيئا عن تفاعلات وانقلابات وطلبات ‏الجسد اللاحقة)، رغم تعدد الفرص التي طالت فوزي بطل الرواية، لكن شعورهُ بما يفعل أو لا يعلم أو يعرف أو كسر ‏الظهر والهلاك أو وصايا أُمهُ الطاهر أو الدخول الى جسد النساء اللواتي يرغبنَ به وهو يجهل كيفية إستقبال تلك ‏الأجساد المُحملة بكميات هائلة من الرغبة والشهوة والتشهي، فوزي يفلح فقط بالنظر، وفكرت الخوف تُرادوهُ في كل ‏حين، حتى قُبلات عبد الحليم حافظ التي أصابت كريمة بالهيجان لم تُحرك شعرة من شاربهُ السُفلي، لكنهُ أخيراً أيقن ‏بأن (أسرار جسده أكبر منه بكثير، فكيف بأسرار جسد المرأة الكثيرة والمُعقدة ؟ هل هو الجنس الذي لم يعرفه أو ‏يجربه) … ص 129‏

Sahbet Aljalalla صاحبة الجلالة
منصة ثقافية شاملة.. بوابة إخبارية في عالم الصحافة الثقافية و الأخبار الشاملة ..

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *