اجتمع خبراء عرب بالقاهرة لإقرار أدلة استرشادية للمقبلين على الزواج ودراسة حول الفجوة الفكرية بين الأجيال.
حوار: محمد حربي
عندما يتحقق التماسك الأسري، تتحقق الرفاهية على المستوى العربي، ولن يحدث ذلك بدون التمكين الاقتصادي، وانخفاض معدلات الطلاق ، والمزيد من التربية الوالدية الايجابية، والمزيد من تعزيز العلاقات الزوجية. وبالتالي بالامكان تفسير ذلك في إطار حالة إجمالية، من الهدف الاستراتيجي نحو المزيد من دعم التماسك الأسري، وهو دعم لتماسك المجتمعات بشكل أعم وأشمل.
أكد الدكتور أحمد عارف- مدير التخطيط والمحتوى، بمعهد الدوحة الدولي للأسرة في ” حوار خاص لـ ” موقع صاحبة الجلالة”على أهمية التماسك الأسري، باعتباره اللبنة الأساسية؛ لبناء المجتمعات القوية و المستقرة. موضحا أن المعهد عقد اجتماعاً بالقاهرة لمدة ثلاثة أيام، بمشاركة خبراء ومتخصصين عرب، من أجل الاتفاق على إقرار أدلة استرشادية للمقبلين على الزواج في الوطن العربي. مشيراً إلى أن المعهد بصدد إعداد دراسة حول اتفاق الفكر بين الأجيال. جاء ذلك في حوار خاص لـ ” موقع صاحبة الجلالة” أجراه الكاتب محمد حربي
*بداية نود التوقف معكم عند المهام المنوطة بكم في عملكم بالتخطيط والمحتوى، في معهد الدوحة الدولي للأسرة؟
-يمكن القول: إن مهام عملي هي مزيج من التخطيط والمحتوى، بمعني التخطيط الاستراتيجي، ومتابعة الإدارات المختلفة في مهامها، وتقييم الأثر للمعهد، بناء على المحددات، الموضوعة سالفاً. وأما فيما يتعلق بالمحتوى، فهو إحكام المحتوى، أياً كان ذات هذا المحتوى، في جانب البحوث لمبادرات، سواء كان في شكل موجز سياسات، أو إصلاحات تشريعية، أو مقترحات للبرلمان، وصناع القرار، أو حتى لو كان المحتوى متعلقاً، كذلك بالبحوث أو النشر الأكاديمي، وما إلى ذلك.
*ماذا أضاف معهد الدوحة الدول للأسٍرة على صعيد دولة قطر، وعلى المستوى العربي بصفة أعم؟
-ينبغي أن نفهم الطبيعة المنوطة بعمل معهد الدوحة الدولي للأسرة، باعتباره المعني بإنتاج الأدلة المعرفية، لدعم السياسات الأسرية. ومن هذا المنطلق نرى أن المعهد، على مستوى دولة قطر؛ قد قام بالعمل مع العديد من المؤسسات الحكومية، وحتى غير الحكومية، أي القطاع الخاص في العديد من المبادرات. فمثلاً، جرى العمل مع المنظومة، التي تتعلق بالتخطيط والإحصاء في دولة قطر، وكان سابقا يطلق عليه جهاز التخطيط والإحصاء، وأصبح المجلس حاليا؛ من أجل إنتاج الأدلة المعرفية. حيث يكون هناك بحث نوعي، وبحث كمي، حول المحددات الاجتماعية لقضية من القضايا الأسرية في دولة قطر، وتبعات السياسات، والنتائج لهذه الدراسة، تم الأخذ بها في السياسة الوطنية القطرية. ومن ضمن ما قام به المعهد مثلاً، أحد التوصيات، التي صدرت نتيجة لدراسة، واتبع هذه الدراسة انعقاد منتدى، لتقييم 10 سنوات على إصدار قانون الأسرة في دولة قطر، وكان أحد وأهم التوصيات، هو إفراد مبنى مستقل لمحكمة الأسرة. وقد تم الأخذ به، وإقراره والعمل به فعلياً. مما يعني أن للمعهد دور ملموس في دعم السياسات، والتطور التشريعي، ودعم البرامج، والأمثلة كثيرة ومتعددة.
وأما على المستوى العربي، فالمعهد يعمل من خلال الشركاء، وبالتحديد مع الأمانة العامة لجامعة الدول العربية “قطاع الشؤون الاجتماعية”، في العديد من المجالات؛ وقد أنتجت هذه الشراكة، الكتاب الأول لحالة الزواج في العالم العربي، والفعالية التي تمت هنا بالقاهرة على مدى ثلاثة أيام، بمشاركة خبراء ومتخصصين عرب؛ ما هي إلا نتاج لهذا العمل المشترك. حيث أن هذه الفعالية، لا تعني في النهاية مجرد إطلاق التقرير، حول تقييم العلاقات الزوجية، ولكن لاستخراج نوع من المبادئ الاسترشادية لبرنامج المقبلين على الزواج في العالم العربي. وبالتالي، فإن أي دولة عربية تسترشد بهذا البيان، في صياغة وتطوير برامج المقبلين على الزواج، كأحد الحلول لدعم مؤسسة الزواج.
*ما هي علاقتكم بمراكز الفكر والبحوث والدراسات؟
-تربط المعهد العديد من العلاقات مع الجامعات وبيوت الخبرة، ومراكز الفكر في الوطن العربي، بل والعالم ككل.
*ما هي المساحة التي يشغلها التثقيف ضمن اهتماماتكم؟
-التثقيف بالنسبة للشباب، هو أحد الموضوعات الهامة ضمن أجندة عمل المعهد، وتوجد هناك أحد الركائز القائم عليها المعهد بالفعل، هي دراسة الفجوة الفكرية بين جيل الآباء، والأجداد، والأبناء. وذلك كمحاولة لفهم طبيعة هذه الفجوة الفكرية الموجودة، ومحاولة كذلك لطرح مجموعة من الأدوات، والصياغات، التي تساعد على تقريب هذه الفجوة الفكرية. وأنه قد تم العمل مع وزارة الشباب في دولة قطر، من أجل إدخال محور كامل عن مؤسسة الزواج في السياسة الوطنية للشباب في دولة قطر. وعليه يمكن القول: إنه بالتأكيد، فإن الثقافة عامل مهم في أجندة عمل المعهد .
*ما هي الطريقة التي سوف يتم بها ردم الفجوة ما بين الأجيال ؟
-الدراسة هي في طور إجراءات البحث حالياً؛ وبالتالي، فإن من تقاليد المعهد، أنه لا يصدر أي أحكام، قبل الانتهاء من الدراسة. فهي التي تحدد الفجوات الموجودة، وتدرس المعايير العالمية في إيجاد بعض الحلول، وبالتالي من هنا سوف تكون التوصيات.
*هل هناك خريطة استرشادية لعمل الدراسة، أم الباحث مطلق الحرية؟
-العمل المنهجي، دائما يقوم على أسس وقواعد، وخريطة طريق من أجل بحث الفكرة المرجوة، والوصول للهدف المنشود، وعليه فإن الباحث لا يعزف منفردا؛ بل يتم السير على طريق الافتراضات المنهجية التي تخدم الوصول إلي أهداف الدراسة، بمعنى عند إجراء دراسة ما، تكون هناك عينة نوعية، ثم عينة كمية. بحيث يكون عينة الاستبيان ممثل بالفعل للمجتمع محل الدراسة. وبالتالي بالفعل، فإن طبيعة البحث، تفرض طبيعة الأدوات التي يجب استخدامها.
*ما هي أهمية الاطلاع على تجارب الآخرين والاستفادة منهم؟
– بكل تأكيد فإن هذا الشئ مهم جدا. حيث أننا لا يمكن اختزال البحوث في المعرفة، طالما أن المعرفة هي جزء من توصيف المشكلة، في حين يبقى هناك جزء آخر من أجل الوصول إلى الحلول، هو الإطلاع على أفضل الممارسات في الدول الأخرى. وبالتالي، فإن هذا جزء من دراسات المعهد بشكل عام. وبما فيها الاطلاع على تجارب الآخرين، وعلى وجه التحديد التجارب، التي حصل لها تقييم بالنسبة للأثر. بحيث أنه توجد هناك تجارب، ولكن لا يمكن القول بأنها فعالة من عدمه، ما لم تكن قد حققت أثر . وهذه النوعية من التجارب، التي تتم كمحاولة في أي دراسة نسعى للوصول إليها و الاستفادة منها.
*إلى أي مدى تحرصون على فهم طبيعة المجتمعات العربية، والمختلفة بعض الشئ عن المجتمع في دولة قطر؟
– هذا شئ ضروري، بدليل، أنه حينما تم إنتاج كتاب عن حالة الزواج في العالم العربي في عام 2019م.، تم تقسيمه إلى تقارير قطرية، بحيث كان لمنطقة الخليج العربي، تقريها الخاص بها. حيث أن المنظومة، والسياق الخليجي، سواء على الصعيد الاقتصادي، أو الاجتماعي، أو حتى الديمغرافية، بينها تشابه. وكان هناك فصلاً آخراً لدول المشرق العربي، التي يجمعها تحديات مشتركة وكذلك دول المغرب العربي، كان لها فصل خاص بها . ومن هنا تبرز أهمية مراعاة الخصوصيات، شبه الإقليمية داخل العالم العربي. وكذلك الخصوصيات الوطنية في داخل الدول الواحدة، بدليل، أنك عندما تتحدث عن دولة مثل مصر، تجد أن الوجه البحري يختلف عن الصعيد، وكذلك تختلف طبيعة الحياة الأسرية في الريف عنها في المدن. وكل هذا التنوع يتم مراعاته عن عمل الدراسات وتوصيف الظواهر.
*نود التعرف منكم على كيفية التأكد من كفاءة القيادات التي تتولى مسؤولية القيام على برامج التأهيل الأسري؟
-المعهد، لا علاقة له مباشرة مع المدربين، حيث أن دوره ينصب على وضع المبادئ الإرشادية التي ينبغي إتباعها في عمل المدربين. ويبقى الدور على مراكز الإرشاد الأسري في أي دولة من الدول العربية، من أجل الإطلاع عليها؛ حتى تكون هذه بالنسبة له هي المعايير التي يتم على أساسها الاختيار، وتطوير المدرب، واختبار قدرات المدرب. وهذه هي المعايير، التي يمكن الاعتماد عليه، في صياغة البرنامج، وتطوير البرنامج. ومن هنا، فإن دور المعهد هو تقديم دليل الخبرة، دون أن يكون المعني بتقييم هذه المعايير على أرض الواقع. فهو يترك هذه المهمة لمراكز الإرشاد الأسري المنوط بها ذلك. أي أن المعهد يضع الخريطة الاسترشادية في كيفية اختيار المدربين في برامج التأهيل الأسري.
*ما هي الاشكالية الحقيقية التي يعاني منها عالمنا العربي، في مجال التأهيل الأسري؟
-الإشكاليات كثيرة، منها أن التأهيل للزواج في العديد من المراكز أو حتى المؤسسات المختلفة بما فيها الحكومية، ولا يستند إلى أدلة معرفية، علمية، حتى يتم تصميم البرنامج.
*هل تقصد المعلومة؟
-لا أقصد ذلك، وهنا نشير إلى أنه على مدى الثلاثة أيام، حينما طرحنا وقلنا: هذه هي مسببات الطلاق المبكر في العالم العربي، ترى هل برامج المقبلين على الزواج حالياً، بتأخذ بعين الاعتبار هذه الأسباب، في صياغة البرامج، التي تعطيك المهارات، التي تحتاجها، من أجل تجاوز العثرات في السنين الأولى للزواج، وفقا للدراسة الاستطلاعية التي تم اجراءها، بالتأكيد لا. وبالتالي، هناك حاجة ضرورية من أجل الاستناد إلى أدلة. والشئ الآخر، هو تدريب المدربين أنفسهم، والمختصين بهذا الأمر. وكذلك الشئ الآخر الذي تم طرحه، أن كثيرا من الأفراد، وليس المؤسسات، أصبح لهم حيز في هذا المجال، مع أنهم من غير المتخصصين. وكذلك، فإن موضوع الحوكمة للإرشاد الأسري، يوجد به خلل في كثير من الدول، فيما يتعلق بالتمكين للمجتمع المدني، من القيام بهذه المهام. وهو أحد الفجوات. كما أن النقطة التي تخص المقبلين على الزواج أنفسهم، أو حتى المتزوجين حديثاً، في أن يلجأوا طواعية إلى مراكز الإرشاد، حال مواجهة أي مشاكل لعرضها على الجهات المختصة. وبالتالي فهناك قصوراً في التوعية، بأهمية هذه المراكز، وهذا من مجمل الفجوات.
*ما هو حلمكم في المعهد؟
-حلم ورؤية المعهد، أن يتحقق التماسك الأسري، ويتحقق الرفاهة على المستوى العربي، وهذا يتم ترجمته في العديد من المؤشرات، الخاصة بالتمكين الاقتصادي، وانخفاض معدلات الطلاق ، والمزيد من التربية الوالدية الايجابية، والمزيد من تعزيز العلاقات الزوجية. وبالتالي بالامكان تفسير ذلك في إطار حالة إجمالية، من الهدف الاستراتيجي نحو المزيد من دعم التماسك الأسري، وهو دعم لتماسك المجتمعات بشكل أعم وأشمل.