الرئيسيةأخبارالإبداع الرقمي، وفائض القيمة … بقلم/ عوني عبد الصادق علي. ..موقع صاحبة الجلالة
أخبارثقافة و فنونمقال

الإبداع الرقمي، وفائض القيمة … بقلم/ عوني عبد الصادق علي. ..موقع صاحبة الجلالة

 

الإبداع الرقمي، وفائض القيمة المعرفي والحضاري والتاريخي

الذكاء الاصطناعي هو المفهوم المعرفي الذي يشكل الاساس الفلسفي المعلوماتي التراكمي، وهو بداية حقبة حضارية جديدة، مما يعني تغيير الرؤى والقناعات. فالإبداع السردي القصصي، حتى الشعر، المسرح، ويقينًا السينما يصنع واقع افتراضي، وهذا ما يقوم عليه “Meta verse” مستقبل الانترنت، وهو المرحلة الرابعة من تطور النت، وهي تستخدم تقنيات الواقع الافتراضي والواقع المعزز بصورة أكثر تكاملًا. تخطط الشركات لمستقبلها، فوصل اقتصاد الميتافيرس ما بين 8 ترليونات إلى 13 ترليون دولار بحلول عام 2030 م.

لم يعد مالكو الصحف مثقفين، بل أصحاب مصالح تجارية، أما فئات المثقفين التي توسعت فضمت المراقبين والفنيين ممن يدعمون حزبًا أو “لوبي” أو موظفي مراكز الأبحاث، بسبب هذا التمويل صار الولاء الأكبر مطلوبًا أكثر من الإعلام، فأختفى المثقف الذي يعيش على الكتابة [(1) جريدة الشرق الأوسط 8 مارس 2023](1) ليس هذا جديدًا، كل ما يؤثر في الحياة نجد صداه في الإبداع.

منذ الخمسينات لاحظ السوسيولوجي الأمريكي س. رايت ميلز تلك الواجهة في التعليم وتحكم الممولين بالمواد والمناهج، اليوم يتحكم في المنصات الإلكترونية بضعة أفراد، تحركهم مصالح وعلاقات، قبل ذلك كان العلماء والفنانون مستقلين وأكثر إبداعًا بمقياس جودة زمانهم، يرى السوسيولوجي الأمريكي: أن المصالح الاقتصادية لوت عنق العلم، وهذا ما نراه يحدث في الإبداع الرقمي!

هكذا تعد مهمة العلم اختراق فهمنا، بل انتاج تقنية قابلة للبيع ونافعة للاقتصاد، وهذا ما أدى إلى ربط المعرفة بالربح، واخضاع المعرفة للبزنس وجعلها شديدة التجزئة، فقبلًا كان الأستاذ ذا إلمام عريض بالعلم وبباقي انظمة المعرفة، لكنه اليوم غدا ضيق الاختصاص يعجز عن ربط اختصاصه بتيارات المعرفة الأخرى.

كان دور أجهزة الإعلام التي ظلت لأكثر من قرنين تشكل وتوجه الرأي العام، الآن تتراجع أمام السوشيل ميديا، التي احتلت مساحات واسعة، وشكلت الرأي العام، يتماس هذا التعريف ويتقاطع مع البنية العميقة للإبداع، باعتباره ــــ الإبداع ــــ جوهر القيمة النفسية/المزاجية لتحولات مجتمعية عميقة وفارقة.

يقول حازم صاغية: “المال إذا استخدم بطريقة ما، ومن موقع ما قد يسئ إلى الإبداع الذي يراد دعمه [(2) جريدة الشرق الأوسط 8 مارس 2023](2) ”
هذه الكلمة صحيحة في سياقها التاريخي والمعرفي، فلكل حقبة حضارية مجموعة قناعات تستمر حتى تحدث وتترسخ تغيرات مجتمعية وثقافية عميقة، لتفرض قناعات جديدة، حتما نجد صدا ذلك في الإبداع، رصدًا، وتفاعلًا، وتأثرًا، نجد ذلك الآن في الإبداع الرقمي، وإن كان لا يستوفي شروط الجودة المتعارف عليها، ومع ذلك فرض نفسه.

رصد الكاتب البريطاني الأمريكي توني جون الأسباب التي تمنع ظهور مثقفين كزولا وكامو وميلوش، الأمر مماثل عندنا، أسباب عدم ظهور مثقفين مثل العقاد وطه حسين ونجيب محفوظ وزكي نجيب محمود إلخ.. مسترجعًا تحولات مجتمعية عريضة، فالمذكورون كانوا قلة يعيشون كليًا أو جزئيًا من الكتابة، وكان موقعهم وثيق الصلة بالإعلام المطبوع، وهذا ما استمر في أوروبا من اواخر القرن التاسع عشر وحتى ستينيات القرن الماضي حين بدأت تتراجع الكتابة بوصفها الأداة الأفعل في إيصال الأفكار وتداولها. ظهرت ظاهرة مثقفي التليفزيون التي تستمد موادها مما يهم الجماهير، واليوم ظهرت السوشيل ميديا، والإبداع الرقمي، الذي حقق انتشارًا سريعًا وكبيرًا، حتمًا سيغير اقتصاد الحياة الثقافية، رافق ذلك بطبيعة الحال، كتابات لا ترقى، ولا تستوفي أقل الشروط الفنية لأي من الأجناس الأدبية! لكنها ستشكل لنفسها شروط جودة فنية مختلفة، وعلى الجانب الأخر يمتلك أمكانيات كبيرة، يأخذ القارئ/المشاهد إلى عالم افتراضي متكامل يعيش فيه البشر بصورة شبه دائمة.
أول من استخدم الميتافيرس الروائي نيل ستيفتسون في روايته “Snow Crash” 1992 وقصد به العالم الافتراضي المملوك للشركات، حيث يتم التعامل مع المستخدمين النهائيين كمواطنين يعيشون في دكتاتورية الشركات، الميتافيرس هي محاولة لسد الفجوة بين العالمين الواقعي والرقمي، هو تجربة ليست فقط بالمشاهدة عن بعد عبر الاجهزة الذكية بل بالدخول إلى هذا العالم في شكل ثلاثي الأبعاد، عبر تقنيات الواقع الافتراضي من خلال استخدام نظارات الواقع الافتراضي، ارتداء السترات والقفازات المزودة بأجهزة استشعار يستطيع المستخدم أن يعيش تجربة شبه حقيقية، يرى الأشياء من حوله بصورة ثلاثية الأبعاد عبر النظارة، كما يشعر فيها بالمؤثرات الجسدية الحسية، كإحساس السقوط في الماء أو لكمة في الوجه أو غيرها من خلال المستشعرات الموجودة في السترات والقفازات التي يرتديها فيحصل على تجربة أشبه بالواقعية حتى وإن كانت غير مباشرة.
الآن وصل التطور إلى لمس الشاشة على أي كلمة داخل السياق الروائي، فتحيلك إلى معادل بصري مجسم.

الذكاء الاصطناعي، الذي يبدع عملًا روائيًا، بل ويخلق موسيقى وغناء وسينما مغايرة تمامًا، لما أستمر ورسخ لعقود. قد يرى البعض أن الذكاء الاصطناعي يقوض دعائم الابداع الانساني وامكانية الاجتهاد، وهذا يمثل بعض الحقيقة، لأنه يشق مسارًا مختلفًا، ليحدد ملامح حقبة جديدة، لها أفكارها وقناعاتها الحصرية، ولأنه يقوض الأحكام المطلقة، والنابعة من خلفيات فكرية مؤسساتية تعود إلى الماضي، تجاوزها هذا التطور المتسارع، والذي غير الإيقاع، وأختصر مسافات ومساحات زمنية، رشحت على الإبداع، قيمته وعمقه.

الذكاء الاصطناعي وعالم الميتا فيرس وهو يضم بين قوسين عددًا من المترادفات المستحدثة، تشكلت عبر عدة أجيال من تطور الشبكة العنكبوتية. فاستجابتنا الدماغية في الميتافيرس؛ تمنح التفاعلات انطباع من يخوض تجارب حقيقية وصناعة ذكريات حقيقية لأنهم يفعلون ذلك حقًا.
ومع دخول نظم الذكاء الاصطناعي في برمجة شخصيات هذه العوالم يمكن أن يعيش تجربة شبه حقيقية.

حتمًا سيؤثر الإبداع الرقمي، وسيؤسس سردية مغايرة تتابع التطور السريع والمتلاحق.
منذ سنوات ثلاثة كتبت رواية (كلوب هاوس) حيث جمع المؤلف أبطاله عبر غرفة إلكترونية، وتداخل أبطال خياليين مع شخصيات حقيقية من دول متعددة عبر الفضاء الأزرق، عبر رحلة البحث عن جريمة قتل لمطربة شغلت فضاء اليوتيوب، كل هذه الأحداث يتخيلها المؤلف وهو في رحلة بحرية، والحرب الأوكرانية الروسية في أوجها.

في الرواية الثانية (حكايات مخبوءة) تقوم على علاقة ملتبسة بين الكاتب وفتاة الذكاء الاصطناعي، تتخلق في صورة “دنيا زاد” شقيقة شهرزاد الصغرى، التي قدمت نفسها للكتبة ومزوري التاريخ ــــ تدليسًا وبهتانًا ــــ وبأنها أول حكاءة، بنت الوزير جعفر وزير الملك شهريار، قضت طفولتها في سمرقند عند الملك شاه زمان.
تحكي له عن رغبتها في محاربة الظلم بشرط أن يكون هو بطل حكايتها للسيطرة على المال والذهب وإجبار أثرياء العالم على توزيعه على فقراء العالم، ووقف جريمة القضاء على سبعة مليارات ونصف المليار، والإبقاء على المليار الذهبي، بواسطة فريق افتراضي.

في النهاية سيفرض الإبداع الرقمي أفكارًا، وموضوعات عبر سردياته التي ستشكل قطيعة معرفية مع كل التراث الأدبي القديم.

 

 

الروائي والسيناريست
عوني عبد الصادق علي
عضو اتحاد الكتاب 
عضو نادي القصة 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *