الرئيسيةأخبارسدرة المنتهى” للروائي: عوني عبد الصادق قراءة د. حسين صبري ؛ أستاذ الفلسفة الإسلامية…موقع صاحبة الجلالة
أخبارإبداع

سدرة المنتهى” للروائي: عوني عبد الصادق قراءة د. حسين صبري ؛ أستاذ الفلسفة الإسلامية…موقع صاحبة الجلالة

 

قراءة في رواية “سدرة المنتهى”
للروائي: عوني عبد الصادق
قراءة د. حسين صبري ؛ أستاذ الفلسفة الإسلامية

مقدمة القراءة:
أشفق على أي إنسان، مفكراً كان، أو عالماً، أو أديباً، حين يلج إلى ميدان السيرة النبوية بالأدب، أو بالفكر، أو بالرواية، أو بالشعر، أو بالمقال، هذه الشفقة لأن هذا الميدان يخلو من الكذب أو الاختلاق أو المبالغات غير المضبوطة، وهكذا يجب أن يكون، لمقام صاحب السيرة العطرة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم الذي يقول: من كذب عليَّ متعمداً، فليتبوأ مقعده من النار، هذا الميدان هو أحداثٌ وحقائقٌ وشخوصٌ وزمانات وأمكنة وتجليات ونفوس ووجدانات، وليس كل من يتصدى بقادرٍ على خوضه والاستبسال في تحليله وسبر أغواره؛ إذ أنه أطهر ميدان في الإسلام يمكن الكلام فيه بعد وحي الله المنزل.
إن المؤلف “عوني عبد الصادق” كان بحق عوناً وصادقاً في جهده الأدبي الإيماني وأدواته الروائية وتحليلاته وسرده وحواره وشخوص عمله وغاياته الأدبية والروحانية معاً، وكل جهد لا يسلم من هِناتٍ هنا أو هناك، لكنها لا تخدش الجهد ولا تمس جوهر الفعل الروائي التاريخي الذي بين أيدينا.
المحتوى :
وضع المؤلف في افتتاحيته للرواية؛ معايير تبرر له كأديب، أن يدخل مضمار السيرة العطرة لخاتم المرسلين سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وهي: عدم الاعتماد على النقل وعرض الوقائع على أصولها (وكان من الواجب توضيح هذه الأصول) وقياسها بأشباهها، ثم سبر غورها بمعيار الحكمة وطبائع الكائنات، ثم تحكيم النظر والبصيرة، ونَسَبَ المؤلف هذه المعايير لصاحبها وهو ابن خلدون في مقدمته، وكانت تلك لفتة نزيهة وطيبة.
يواجهنا الراوي في تفاصيل روايته بأول عنوان وهو “رأيت فيما يرى النائم”، فكان هذا الجزء طبيعياً وسلساً للدخول إلى ساحة السيرة المشرفة بعقل ووعي وتدبر من مفكر روائي مسلم من بدايات القرن الواحد والعشرين، ثم كان طبيعياً وغير مفتعلٍ أن يأخذ الراوي بوعي القاريء إلى أحداث السيرة بـــ “أَحدٌ .. أَحدٌ”، فجاء الانتقال هيناً منساباً بطبيعية روائية فيها اتساق بديع، إلى بطحاء مكة وأفعال وردود أفعال قريش وصراعهم بالكفر مع الحق ونماذج التعذيب .. وخيراً فعل الراوي بالتقاط هذه الصورة المؤكدة تاريخياً في شخصية بلال وندائه المعروف: “أحدٌ .. أحد”.
كان جميلاً أن يستعين المؤلف بألفاظ وآيات قرآنية كريمة، أضفت قدسية وروحانية لأحداث وحوارات الرواية، أعقبها دخول شخصية “حور” في مسرح الأحداث وانسياب الحوار بين شخص المؤلف والشيخ بهاء الدين، وجاءت عبارة بديعة ربما في اعتقادي أنها كانت لمحة ذكية تلخص القضية وتحدد الهدف وترسم غاية الدين، هي: مكة يا ولدي هي مبدأ الصراع ومنتهاه.
دلف الراوي عبر تفاصيل الحياة في مكة اجتماعياً ودينياً .. ثم إلى دار الندوة .. ثم إلى رجالات قريش وسادتها وفرحة أبي لهب بمولد ابن أخيه محمد، حتى يفهم القاريء كيف ينقلب الرجل من الضد إلى الضد؛ من الفرحة إلى أقصى الحقد والبغضاء بأثر الوراثة والتربية والبيئة .. ثم تتوالى الأحداث إلى النظر في مملكتي فارس والروم .. وحياة الصحراء بين العرب .. وأبرهة الحبشي وعبد المطلب والكعبة.
هذه التفاصيل استطاع بها المؤلف أن يستجمع وعي القاريء دون أن ينتبه لذلك؛ إلى جو الرسالة ومقدماتها بين العرب في مكة وبين ساداتها من قريش، فكان هدفاً واضحاً من الراوي أن يصحب القاريء معه في تفاصيل الحدث الذي شكَّل ختام الرسالات السماوية، فانطلق الراوي مع حصار شعب أبي طالب وما فعلته الأرضة مع صحيفة قريش وفك الحصار، ثم بدء كلمات السماء الأولى لختام المرسلين صلى الله عليه وسلم في أبهى وأجمل صورة وأكمل هيئة وأروع حدث بقوله تعالى: إقرأ.
ثم ورقة بن نوفل وتأييده للرسالة وللرسول عبر دعم مطلق من الطاهرة خديجة رضي الله عنها وأرضاها، فكان حبها وثقتها وتأييدها الغامر لرسالة الدين الخاتم، لتنطلق الأحداث بعدها إلى الطائف وما احتوت من شكل جديد عنيف من صراع الحق مع الباطل.
استعان المؤلف بأدوات كاشفة في تحقيق مبتغاه من “سدرة المنتهى” كعمل روائي متصل بالسيرة المحمدية؛ أولها تفصيل الحدث تفصيلاً تاريخياً دقيقاً، لأن المؤلف بطبيعة الحال وهو يعترك أحداث السيرة المشرفة؛ يعلم أن هناك عيوناً وآذاناً وأقلاماً وعقولاً ونفوساً لا يعلم إلا الله وحده ما سيكون فيها .. فهو يعالج روايته التاريخية وهو يعلم جيداً ما سوف يواجه من تمحيص ونقد وتحليل، فكأنه يكتب بعين وبالعين الأخرى يتوقع ما سيلاقيه من هجوم وتدقيق، فيحاول وهو يكتب أن تحمل روايته ردوداً عليها في نفس لحظة الكتابة.
استطاع المؤلف أن يضع بحثه في السيرة كرواية، موضع وجوده وموضع ذاته؛ إذ يقول: إن استكمال سيرة المصطفى صلى الله عليه وسلم هو رحلة بحث وجودي عن ذاتي … ربما يتساءل البعض أو يتشكك أن الذاتية هنا تلقي بثقلها على مجريات وأحداث وأدوات الرواية، وأنه كان من الواجب الاحتماء بالموضوعية والحيادية .. لتستكمل الرواية أحداثها دون أن تسيطر عليها ذاتية المؤلف الذي ينسج أحداث السيرة في إطار أدبي لا يعدم خيال الراوي ولغته وأدواته، وهذا هو الوهم الكبير الذي تلاعب به أعداء السيرة النبوية وأعداء الدين السمح وأعداء النبي محمد صلى الله عليه وسلم؛ من أن الذاتية هي ما تعيق الأدب والفكر في الإسلام عن الإنجاز الفكري والأدبي، لأن هؤلاء لا يتذكرون الموضوعية إلا حين يتصل الكلام بالإسلام ورسول الإسلام، وما عداهما من موضوعات؛ فإن الموضوعية تكون أسفل أقدامهم، فهم يقولون ما لا يفعلون .. وهل يمكن أن يستقيم الأدب والرواية والفكر .. إلا بذاتية الكاتب، إنها علاج ووقاية وفوق هذا كله؛ فهي سياج يحمي الفكر.
تسير أحداث الرواية في تواتر مجرياتها حدثاً فحدث، مستعينة بالتاريخ والرواية الأصدق، مع السبك الأدبي للعبارات، مع الخيال الخصب المصاحب في جميع الحوارات الدائرة بين شخوص السيرة، مع الواقعية في تسجيل الأحداث بتاريخها ومكانها وشخوصها، مع النقد تارة، والتحليل تارة، والتركيب تارة ثالثة .. وقد أجاد المؤلف في ذلك كله بقدرة عالية ولغة متمكنة من سباكتها، فلم يفاجئنا بشيء خارج عن المعقول والمنقول معاً .. ولم يقطع حبل تسلسلنا مع أحداث السيرة الطاهرة .. ولم يفارق ذاتية وجدانية وجودية لازمته طوال تفاصيل الرواية.
من الأجزاء التي لم تفقد الإبداع في أجواء الرواية؛ أن الكاميرا لم تدع المؤلف وحده، إذ لازمته طوال حواراته مع الشيخ وحفيدته حور والأحوال تتوالى في نسق تاريخي متماسك مقنع لمن قرأ .. جعلته يعتقد بأنه داخل الحدث ومشارك في الحوار وحامل للكاميرا ومسجل لكل تفصيلة من تفاصيل الرواية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *