( زوجتي طويلة القامة ، مبسوطة الجسم ، حسنة الصورة ، لها عينان رائعتان ، ولون بشرتها هو اللون المصري المألوف ، وشعرها طويل فاحم ، وهي لطيفة الطبع ، وجدتها تتقبل كثيراً من العادات الفرنسية بنفور أقل مما توقعت ، وأنا لم ألح عليها بعد بالخروج سافرة على الرجال ، فهذا سيأتِ شيئاً فشيئاً ، ولن أنتفع بما أباحه النبي – صلى الله عليه وسلم – من الزواج بأربعة نساء خلاف السّراري فإن في زوجة واحدة أكثر من الكفاية)
(ستكونين ملكة لكن نهايتك ستكون حزينة).. لم تعتقد في كامل كلام العرافة ، إنما فيما جذب انتباهها ، وأثار في داخلها البهجة ، والأمل ، والتفكر ( لتكن زبيدة فاتنة رشيد ملكة أولاً ، أما النهايات فسأنسجها بما يناسب أحلامي وطموحاتي ) ضحكت قدر تطلعاتها .
جلست لا تدعي الخجل ، ولا تتظاهر بالانكسار.. رافعة رأسها وجلس مينو يتأملها.. تبدو جميلة لا تشبة جميلاتهم.
لم يشغل بالها ما ألم بوالدها من توتر ، بينما لم يشغل بال الشيخ سوى ما سيحدث إذا ما رفض طلب الفرنسي غير المسيحى الذي لا يعرف الكثير عن ديننا ، ودُنيانا رغم صلاته في مساجدنا ، ومكوثه في مدينتنا.
التهم مينو الكثير من الفواكه المقدمة له خلال جلسته التي لم يختلس خلالها النظر إلى عروسه كما لم يفعل الغير في مثل هذا الظرف ، بل أخذ ينظر إلى تفاصيلها بنظرات مباشرةً ، يتخيل أثناءها شعرها ، وغيره مما تخبئه الأقمشة المبالغ في طولها وعرضها من وجهة نظره ، يتخيلها في ملابس فرنسية رغم لونها المصري.
يغمض الشيخ عينيه ويفتحهما ، يفرك وجهه بيده يفعل كل ما يدل على تمنيه انتهاء تلك الجلسة المطولة.. لكن عن غير عمد.
يوافق على طلب الحاكم مينو ، فيبدي هو رضاءه عنه مربتاً على كتفه ، ثم يذهب.
يحتضن ابنته قائلاً (سامحيني يا زبيدة) . تتعجب هي ( أبي.. سأصبح ملكة ) ، ثم تنطلق غير مبالية بشيء .
كانت رسالته بعد الزواج لصديقه الفرنسي ، وكانت أحاديثها عنه مع صديقاتها دليلاً على امتزاجهما فأنجبا سليمان الفرنسي المصري.
وكسيدات فرنسا في عيون أزواجهن عاشت زبيدة ، ونسيت نصف ما قالت العرافة قارئة الفنجان شهورٌ قلائل ، لم يعد بعدها مينو حاكماً ، ولم تعد ملكه كما عاشت خلال الفائت منها.
حملت حلمها ، وذهبت معه إلى بلاده ، فقد رأت منه في بلادها كل ما حسدتها عليه رفيقاتها ، وقريباتها ..
(رجال فرنسا يعرفون جيداً كيف تًعامل المرأة) طالما قالت لهنّ ذلك ، لكنها اكتشف هناك أنهم أيضاً يعرفون كيف يضيعون المرأة إذا ما أصابهم الملل ، والحنين إلى نساء بلادهم ، هكذا قالت لنفسها أيضاً.
ارتد عن دينه الذي تزوجها من خلاله..
لا لغة ، ولا مال ، ولا رفيق.. وحدها تماماً في مدينة بعيدة ، تتسول كل شئ ، لا يمكنها العودة ولا البقاء ، تدفعها الأيام دفعاً إلى مجهولٍ أسوأ من معلوم ، تكتشف ذلك كلما كشف يومً عن ذاته ، وطفلها بين ذراعيها غير قادرٍ على عونها إلى أن مات، فبقيت على قيد اللا حياة ولا موت .
عادت أم لم تعد .. لا يعني ذلك شيئاً ، لكنها صارت تذكردومأ قارئة فنجانها (ستكونين ملكة ، لكن نهايتك ستكون حزينة) .