في نهاية ثمانيات القرن الماضى أنتج التلفزيون المصرى مسلسل المخابرات ( رأفت الهجان )الذى حاز على شهرة واسعة بين الجمهور المصري والعربي, مما تتطلب الأمر انتاج عدة أجزاء أخرى من المسلسل الناجح على الرغم أنه لم يكن مكتوب له أكثر من جزأين ، بل وتم الضغط على بعض الابطال للإستمرار في أداء أدوارهم في باقي الأجزاء على غير رغبة منهم كما صرح الفنان الراحل يوسف شعبان .
والان بعد مرور أكثر من ثلاث عقود على هذا المسلسل الذى كان يذاع في شهر رمضان الكريم ، يتم انتاج مسلسل مخابراتى اَخر من نوع جديد هو مسلسل الاختيار الذى يذاع أيضا في شهر رمضان منذ ثلاث سنوات .
الفارق أن المسلسل الأول كان يحكي عن بطولات سرية لضباط جهاز المخابرات التى لا يعلم عنها عامة الناس الكثير من المعلومات ، والتى ساهم المسلسل في تعريف الغالبية عن ماهية عمل المخابرات ورسم صورة شبه حقيقية عنهم ، والتى صدقها الجميع بسهولة .
بينما جاء المسلسل الثاني ليعزز من صورة ضباط الجيش والشرطة ورسم صورة مثالية عن حياتهم وبطولاتهم لتاريخ لم يؤرخ بعد ، وتصوير أحداث عايشها معظم الشعب الحالي ورأها رؤي العين .
ولا شك أن ارتباط الفن بالسياسة له تاريخ قديم فالفن هو صورة ومراة للمجتمع ويتغذى كلاهما باحداث الاَخر وينمو به .
وتبدو السياسة دائما وجبة شهية يتناولها المنتجون والمخرجون في أفلامهم ومسلسلاتهم ، ويتغذى الجمهور عليها ببعض الحقائق التى رسمت وفقا لهوي كتاب السياريو والحوار التي لا تأتي بالضرورة صادقة بل لتصيب أهدافا بعينيها أريد توصيلها إلى أكبر شريحة من الجمهور الغارق حتى أذنيه في تحصيل لقمة العيش ، ولا يجد من الوقت ما يساعده على البحث وتقصي الحقائق .وبما أن شهر رمضان من الشهور التى لها نسب مشاهدة عالية فهو يبدو الوقت الأمثل لطرح تلك الأعمال الممنهجة على الجمهور .
بيد أن الاعيب السياسة الغير معلنة يصعب طرحها للناس علانية في المسلسلات والافلام ولا يعرف الناس عنها شيئا سوى عند حدوث بعض التسريبات التى تذاع من حين لأخر فنكتشف وقتها كم كنا بلهاء .
وإذا كنا أصبحنا نستقى معلوماتنا للأسف الشديد من وسائل الإعلام المختلفة بعد أن طغت على حياتنا وصارت كالماء والهواء , فقد حق لها أن تفعل بعقولنا ما تشاء وتضع فيها ما يتفق وهواهم ، وليس ما حدث بالفعل.
في مشهد شهير من فيلم الراقصة والسياسي تقول البطلة للبطل أن كلانا يرقص بطريقته , فبينما هى ترقص بجسدها أمام الناس فأنه يرقص بلسانه أمام الناس وخلفهم ويكذب عليهم .
ولا ينفي السياسي هذا القول لعلمه أنها صادقة بل يطالبها بتخفيف حدة هجومها عليه .
ليس للدراما وجه واحد يمكننا الإعتماد عليه إذن ، وليست السياسة بالأمر المتاح أمام كل الجمهور الذى يريد أن يصدق ما يقال أمامه وفقط .