مع نسمات شهر أكتوبر من كل عام تهيج الذكرى
فأعود إلى كتابي ( ذكريات مقاتل .. حماد مطر) فأنقل منه النص التالي :–
حينما يتقدَّمُ بنا العمر، ويُصبح الشبابُ كهولة ، ثم تُمسى الكهولة شيخوخة ، حينما نشْعرٌ أنَّ دورنا في الحياة بدأَ يخبو ويتضاءل , حينما نتحوَّل إلي كمِّ مُهمل في زوايا النسيان ، وتسري الشيخوخة الباردة في أجسادنا ، فإننا بحكم غريزة حُبِّ البقاء ، نأْبى إلا أن يكون لنا دور مهما كان ضئيلا ، ولكن ما هو هذا الدور الذي يمكن أن نٌؤدِّيه ؟ وما الذي يمكن أن نفعله ؟ ! إننا ببساطة . وبحكم الوهن الذي حل بالجسد. والروح . يمكن أن نتحول إلي فلاسفة !!! نعم إلي فلاسفة !! وهذا ما حدث معي !!!
إن أوَّل مبادئ عِلم الفلسفة هو الدَّهشة ، أن تعيش في حالة من الدَّهشة ، وأن تسأل دائما ، لماذا ؟ كيف ؟ أين ؟ . وأن تحاول البحث عن إجابات لتلك الأسئلة ، وقد أصابتني تلك العدوى ! تحولت إلي فيلسوف !!!
السؤال الذي يُدهشني الآن … لماذا لم أستشهد في لحظة كانت فيها طلقات الرصاص تعربد في أجسادنا ، ومن حولنا ؟ لماذا قُدِّرَ لي دوناً عن كثيرين أن أبقى علي قيد الحياة ؟ لماذا قٌدِّرَ لي أن أعيش كل تلك السنوات التي طالت أكثر مما ينبغي ؟
وفي محاولات الإجابة الفلسفية عن هذا السؤال ، وصلتُ إلي نتيجة منطقية ، علي الأقل بالنسبة لي ، أدركت أنني عشت كل هذه السنون لأكون شاهداً علي العصر !! نعم شاهدٌ علي العصر .
سوف ألتقي بهم يوماً ما ، سوف ألتقي بالشهداء الذين استشهدوا أمام أعيننا ولم نتمكن من دفنهم ، سوف ألتقي بهم لأقدِّم لهم شهادتي علي هذا العصر ، العصرالذي لم يعاصروه ، وفي الحقيقة فإنني أغْبِطهم لأنهم لم يعاصروه ، وأرسم في مُخيلتي صورة لهذا اللقاء …..
هم شبابٌ في العشرينات من العمر , يتواثبون حولي في خِفَّة وجزل , وأنا شيخُ هّرِم ، أدَّعي الوقار لعجزي عن مجاراتهم في خفتهم ورشاقتهم , يتجمَّعون حولي ساخرين مما فعلت بي السنون . ورويداً رويداً يتحلقون حولي ويمطرونني بوابل من الأسئلة ، تتوالى عليً أسئلتهم كزخًات المطر :-
– هل انتهت أسطورة إسرائيل ؟
– هل أصبحنا دولة عربية واحدة تمتدُّ من المحيط الأطلنطي الهادر إلي الخليج العربي الثائر ؟
– هل تحقق حلمنا وأصبحنا نقود العالم الآن ؟
– إلى أي مدى وصل الصاروخ القاهر ؟ والصاروخ الظافر ؟ هل أصبحا عابرَين للقارات ؟
– ماذاعن مفاعل أنشاص الذرِّي؟ والذي كان قابعاً بين أشجار البرتقال ، وكنا نتطلَّع إليه مبهورين ونحن في طريقنا من أنشاص إلي القاهرة ، هل تم تطويره ؟
– ماذا عن شركة النصر للسَّيارات التي كنا نتباهى بإنتاجها وهي تتطور أمام أعيننا عاماً بعد عام ؟ هل تم تطوير منتجاتها ؟ ثم يغني الرفاق غناءاً جماعياً ، كنا نغنيه معا ، ويدعونني للمشاركة (يالله نضاعف إنتاجنا .. أضْعاف .. أضْعاف .. أضْعاف …. وندبًر مهما احتاجنا … ونحارب الإسراف) .
– ماذا عن المصانع الحربية ؟ إلي أي مدى وصل تطور إنتاجها ؟ وهل صِرنا نُصدِّر السلاح إلي الدِّول الأخري ؟؟؟
الأسئلة تنهال عليً , وأنا قابعٌ في مكاني مُنكَّس الرأس ، مُتدثراً بصمتي , مُتظاهراً بالوقار ، دون أن أدري بماذا أجيب ، ماذا أقول لهم ؟ هل أواجههم بالحقيقة ؟؟؟ !!! …
أترك لكم الإجابة ،🤔🤔🤔